منذ القدم أدرك الإنسان بأن أفضل وسيلة للتخلص من أعداءه تتمثل في قتلهم واغتيالهم، فأحيانا يكون اغتيال شخص واحد مؤثرا إلى درجة سقوط دول وتغيير أنظمة وتفكيك جيوش جرارة. بيد أن الأمر ليس بهذه السهولة، فقادة الأمم وشخصياتها المؤثرة غالبا ما يحاطون بأطواق محكمة من الحماية والحراسة يصعب عبورها والنفاذ منها، لهذا ابتكر القتلة المغتالون وسائلهم وأساليبهم الخاصة التي تمكنهم
من الوصول إلى أقرب نقطة من الهدف مما يضمن نجاح مهمتهم، وهذه الأساليب تنقسم عموما إلى نوعين، النوع الأول يتضمن وضع خطة للوصول إلى الهدف وتنفيذ عملية الاغتيال لكن من دون الاهتمام والمبالاة لسلامة القاتل وتأمين انسحابه، وهذا الأسلوب يستعمل عادة في العمليات الانتحارية، وقد يكون الحشاشون هم أشهر من برع في هذا النوع من العمليات، وهم طائفة من الشيعة الإسماعيلية برزت خلال فترة الحروب الصليبية وقاموا بالعديد من الاغتيالات السياسية واليهم تعود جذور كلمة (Assassin ) الانجليزية والتي تعني القاتل أو السفاح. أما النوع الثاني من أساليب الاغتيال فهو يهتم كثيرا لسلامة القاتل ويعمل على تأمين انسحابه بشكل يضمن عدم إلقاء القبض عليه أو قتله، وهذا الأسلوب قديم جدا يعتمد على السرعة والخفة والتمويه، ربما كان مقاتلو النينجا اليابانيين (Ninja ) هم أشهر من مارسه. أما في عصرنا الحاضر فجميع أجهزة المخابرات والشرطة السرية حول العالم تستخدم الأسلوب الثاني لتفادي وقوع عملائها وجواسيسها في قبضة العدو. كما تستخدمه عصابات الجريمة المنظمة للتخلص من منافسيها وأعداءها. وعبر العصور تم ابتكار وإضافة أساليب جديدة في التخفي والتنكر واستعمال الأسلحة الغير تقليدية كالسموم والحقن المميتة والأسلحة المموهة .. الخ.
مظلة للمطر أم لاقتناص البشر!
ماركوف .. قتلته مظلة!
في صبيحة يوم السابع من كانون الأول / ديسمبر عام 1978 غادر الكاتب والصحفي البلغاري جورجي ماركوف (Georgi Markov ) منزله متوجها إلى مقر عمله في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC ). لم يكن هناك ما يميز ذلك الصباح اللندني عن غيره، نفس الهواء البارد والسماء الملبدة بالغيوم وذات الطريق الذي ينبغي أن يقطعه سيرا على الإقدام صوب موقف الباص الواقع على الجانب الآخر من نهر التايمز والذي لم يكن مزدحما ذلك اليوم ما خلا شخصين أو ثلاثة لم يعرهم ماركوف اهتماما ووقف كعادته سارحا في أفكاره. لكن قبل وصول الباص بلحظات أحس ماركوف بلسعة مؤلمة مباغتة في باطن فخذه الأيمن فالتفت إلى الوراء ليشاهد رجلا ضخما يرتدي معطفا داكنا طويلا ينحني على بعد خطوات منه لالتقاط مظلته المطرية، الرجل أعتذر وغادر المكان بهدوء. أما ماركوف فلم يقل شيئا ولم يعر الحادث اهتماما، ظن أن الرجل أصطدم به عرضا وأنتهي الأمر، لكنه كان مخطئا في تقديره لما حدث، إذ ازداد شعوره بالألم خلال المدة التي أستغرقها الباص للوصول إلى غايته، وأستمر ألمه أثناء الساعات التي قضاها في العمل كما لاحظ بروز تورم صغير على باطن فخذه الأيمن.
ماركوف أخبر بعض زملائه في العمل عن حادثة اللسعة التي تعرض لها في موقف الباص وعن الرجل الضخم ذو المظلة الذي كان واقفا خلفه، وحسنا فعل بأخبار زملائه، لأن حالته الصحية تدهورت في مساء ذلك اليوم فأصيب بحمى شديدة نقل على أثرها إلى المستشفى ليفارق الحياة بعد ثلاثة أيام فقط.
موت ماركوف المفاجئ أثار ارتياب الشرطة البريطانية، فالرجل كان معارضا مزمنا للنظام الشيوعي في بلاده وسبق أن تعرض لمحاولتي اغتيال فاشلتين. وقد جاءت نتائج تشريح الجثة لتؤكد شكوك الشرطة، فقد عثر الأطباء على نسبة قاتلة من سم الريسين (1) في جثة ماركوف كما استخرجوا رصاصة متناهية الصغر من المنطقة المتورمة على فخذه.
المحققون استنتجوا بأن الرصاصة أو حقنة الريسين التي قتلت ماركوف أطلقت من مسافة قريبة بواسطة مظلة الرجل الذي كان واقفا خلفه في موقف الباص صبيحة يوم الجريمة، ورجحوا بأن تكون المظلة القاتلة قد صنعت خصيصا بواسطة جهاز المخابرات السوفيتي (KGB ) لمساعدة الجواسيس البلغاريين لتنفيذ عملية الاغتيال التي اشتهرت لاحقا بأسم (جريمة المظلة) والتي مازال الغموض يلفها حتى اليوم، بل إنها ازدادت غموضا مع انهيار النظام الشيوعي في بلغاريا عام 1990، فقد اختفت فجأة تقارير المخابرات البلغارية عن ماركوف، وتعرض الضابط المسئول عن مطاردته للقتل في حادث سيارة مشبوه، كما انتحر جاسوس أخر مقرب من القضية في ظروف غامضة.
أقلام للعلم .. أقلام للقتل
قلم .. يكتب بالدم!
مثلي مثل الكثير من الناس لم أكن اعتقد بوجود أقلام نارية قاتلة (Pen Gun) إلا في أفلام العميل البريطاني الخارق جيمس بوند، لكن قرأت قبل فترة خبرا يتحدث عن مقتل شاب في الولايات المتحدة بواسطة قلم صغير يحمل رصاصة واحدة من عيار 22 ملم ويطلق النار بواسطة النقر على زناد جانبي صغير. ذلك الشاب المدعو ستيفن زورن كان يملك واحدا من تلك الأقلام القاتلة لكنه لم يعتقد بأن قلمه المعدني الصغير يمكنه حقا إطلاق النار وقتل شخص ما، لهذا ومن باب المزاح وتحت تأثير الشراب صوب القلم إلى رأسه وضغط على الزناد، وبالفعل لم يحدث شيء، فضحك الشاب المخمور وأعاد الكرة مرتين، لكن وكما يقال .. لا تسلم الجرة في كل مرة، ففي المرة الثالثة انطلقت رصاصة القلم اليتيمة لتستقر داخل جمجمة ستيفن لترسله مباشرة إلى العالم الآخر.
قلم بانكوك القاتل
وفي الواقع، تبدو الأقلام النارية أكثر انتشارا مما قد يتصوره المرء، ففي الطرف الآخر من المحيط الأطلسي وفي مدينة مانشستر الانجليزية تحديدا توقف رجل مخمور يدعى هيو ويست أمام إحدى الحانات عارضا بيع قطعة سلاح لسائق سيارة كان متوقفا في المكان. سائق السيارة ظن بأن الرجل يتحدث عن مسدس أو بندقية، لكن لشدة دهشته شاهد ويست وهو يخرج قلم أزرق صغير من جيبه وراح يشرح له طريقة تعبئته وإطلاق النار. السائق المذعور أخبر ويست بأنه لا يحتاج إلى سلاح ناري حاليا وتركه لأخبار الشرطة التي سرعان ما اعتقلت ويست بتهمة حيازة وحمل سلاح ناري (1) لينتهي به المطاف إلى قضاء خمسة سنوات في السجن.
أما في العاصمة التايلندية بانكوك فقد وقعت جريمة قتل بواسطة قلم ناري آخر قام بتصميمه وصناعته رجل يدعى "بيجب هوان" خلال فترة دراسته في المعهد التقني، السلاح العجيب يبدو أقرب إلى الناي منه إلى القلم، وهو يتكون من ثلاثة أجزاء يسهل فصلها وجمعها، وقد أستعمله هوان لإخافة احد أصدقاءه الذي كان يرفض تسديد مبلغ من المال يدين به إليه، لكن ذلك الصديق سخر من هوان وأخبره بأنه لو كان جادا في تهديده لأطلق النار عليه، فما كان من هوان إلا أن وضع رصاصة في سلاحه وأطلق النار مباشرة نحو صدر صديقه ليرديه قتيلا في الحال. الشرطة ألقت القبض لاحقا على هوان وقامت بعرض سلاحه العجيب على وسائل الإعلام.
خلوي المافيا الرهيب
أغرب موبايل في العالم !
ربما يكون الخلوي الذي عثرت عليه الشرطة أثناء غارة على مخبأ للمافيا في مدينة نابولي الايطالية هو الأغرب من بين الأسلحة النارية المموهة، إذ من المستحيل تمييزه عن أجهزة الخلوي الحقيقية، فهو مزود بشاشة عرض ولوحة مفاتيح وهوائي ولا يختلف بشيء عن أي جهاز خلوي أخر. لكن خلف المظهر المخادع والغلاف البراق يكمن سلاح ناري خطير بإمكانه حمل وإطلاق الرصاص على حين غرة وبكفاءة عالية.
خلوي المافيا القاتل تمت صناعته عن طريق إزاحة القسم الداخلي للوحة المفاتيح من اجل إفساح المجال لأربعة رصاصات من عيار 22 ملم لتستقر في أربعة اسطوانات صغيرة تنتهي جميعها إلى فتحة الهوائي الموجود أعلى الجهاز والذي يتم أطلاق الرصاص من خلاله بشكل مفرد أو متتابع. ويتم إطلاق النار عن طريق ضغط الأزرار من 5 إلى 8 في لوحة المفاتيح.
الشرطة الايطالية لا تعلم إن كان الجهاز قد أستعمل حقا للقتل أم لا، لكنه كان معبأ وجاهز للاستخدام عند العثور عليه، وهو بالتأكيد يجسد نقلة نوعية في الأساليب الماكرة التي تستخدمها عصابات الجريمة المنظمة للوصول إلى أهدافها. وهناك الآن مخاوف حقيقية من أن يكون انتشار هذا الخلوي القاتل أوسع نطاقا بكثير مما تتصوره الشرطة، وهو الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا لرجال الأمن حول العالم وذلك لصعوبة اكتشاف هذا السلاح المخادع الذي يسهل حمله ونقله من دون إثارة الشكوك وجذب الأنظار.
في الختام ...
هذه الأسلحة المخادعة المميتة التي ذكرناها في المقال ليست سوى عينة صغيرة من مجموعة ضخمة من أدوات القتل والتجسس والرصد المموهة التي تفتق العقل البشري عن اختراعها، وهناك بالتأكيد أسلحة قاتلة أخرى جرى تمويهها وإخفاءها بذكاء وبراعة كبيرين .. لهذا وجب عليك الحذر عزيزي القارئ عند التعامل مع أشياء الآخرين .. فنقرة على زر القلم يمكن أن تكون في غاية الخطورة .. والرد على اتصال بالخلوي قد يعني رصاصة مميتة في الرأس .. والمشي مبللا تحت المطر أفضل من الاختباء تحت مظلة تقطر سما زعافا!.
1 – ريسين (Ricin ) : سم قاتل يستخرج من بذور نبات الخروع وتكفي جرعة صغيرة منه 0.2 ملجرام لقتل إنسان بالغ، مع ملاحظة أن زيت نبات الخروع الذي يستعمل للأغراض الطبية غير سام، فالسم يستخرج من البذور التي تشبه إلى حد كبير حبوب اللوبياء الملونة.
2 - على عكس الولايات المتحدة الأمريكية فأن حيازة الأسلحة النارية ممنوعة في المملكة المتحدة ويعاقب عليها بالسجن لمدة خمسة سنوات، وحتى أفراد الشرطة البريطانية لا يحملون أسلحة نارية.